دعوة إلى «عدم العفو»!!

دعوة إلى «عدم العفو»!!

دعوة إلى «عدم العفو»!! 1164707614

في إحدى الليالي الرمضانية وقفت أنتظر صاحبي بالقرب من منزلهم، أثناء انتظاري صادفني صاحب آخر كان جارا لصاحبي الذي أنتظره، تحدثنا قليلا ثم استأذنته لأذهب، دخل منزله وبعد ثوانٍ معدودة صرخ بأعلى صوته: «سيِّد» مستنجدا بي وأنا أسمع جلبة وضوضاء، من حسن الحظ أنني لم أكن لوحدي بل كنا شخصين، دخلنا بسرعة فناء المنزل فسمعنا صاحبنا يصرخ: حرامي. وبسرعة ذهب كل شخص في جهة وبعد لحظات صار «الحرامي» في قبضتنا.

لم تنتهِ القصة هنا بل كانت البداية، استدعينا الشرطة لتأخذ «الحرامي». أثناء انتظارنا حدثني صاحب المنزل بأنه تعرَّض للسرقة أكثر من مرة، طلبت منه بإلحاح أن لا يتنازل عن حقِّه لكي يُؤدب «الحرامي» ليكون عبرة له ولغيره.

جاءت الشرطة وأخذت صاحبنا مع المتهم وذهبنا نحن إلى موعدنا. في اليوم الثاني اتصلت بصاحب المنزل أسأله عمَّا جرى، فقال لي بنبرة خجلة: تنازلت عنه!!! أصابني إحباط كبير فقد كنت أتوعد «الحرامي» بأنه سيلاقي جزاءه وكنت أقولها بحزم وجزم. ولكن في النهاية خرج «الحرامي» وفي الليلة نفسها من الشرطة دون أن يُمسَّ.

لماذا تنازلت؟!«سألتُ صاحبنا» فأجاب: لأن والده جاء يترجى وقال بأن زوجته «والدة المتهم» متعبة ومريضة، كما تدَّخل المحقق ليقنع صاحبنا بالتنازل وبالفعل انتهت القضية ليخرج «المتهم» منتصرا.

هذه قضية واحدة من قضايا كثيرة جدا تطرق سمعنا يوميا حتى أصبحت آذاننا تستسيغها بعد أن كانت نشازا قبل سنوات. سرقات وفواحش واغتصاب وقتل وجرائم منظمة بدأت تأخذ شكل الظاهرة في مجتمعنا ونحن لم نستطع لحدِّ الآن تشخيص أسبابها فضلا عن علاجها.

هناك عدة أسباب لتفشي الجريمة منها العولمة والبطالة وضعف الوازع الديني والفقر ومنها «الضحية» سواء كان فردا أو مجتمعا، نعم للضحية دور في تفشي الجريمة، كيف ذلك؟!! هذا ما سأتحدث عنه بالتحديد أما الأسباب السابقة فهي واضحة ولا تحتاج إلى إيضاح أكثر.

للعقوبة فلسفة مؤادها أنها تردع الجاني ومن تسوِّل له نفسه؛ لهذا لا يخلو دين أو نظام من مبدأ «العقوبة» على اختلاف تفاصيله. تصوروا أن مجتمعا ألغى مبدأ العقوبة، ما الذي سيجري؟!! بالتأكيد ستتفشى الجريمة بصورة قياسية.

بعض الأحيان - وهذا ما يحدث كثيرا في مجتمعنا- تجري عملية التفاف واحتيال على مبدأ «العقوبة» وذلك عبر عدة عناوين أهمها: العفو والتنازل، فما أن تقع جريمة وخاصة إذا كانت من العيار الثقيل كالقتل إلا وبدأت «الفزعه» من البعض لعمل الصلح والتنازل جاهلين أو متجاهلين الأثر السلبي الكبير على المجتمع، ففي الوقت الذي ستُحيا فيه نفس كانت تستحق الإعدام ستعطى إشارة لمن في قلوبهم مرض ليرتكبوا جرائمهم ممنِّينَ أنفسهم بأن «أهل الخير» سيسعون بكل جهدهم لإنقاذهم من سيف العدالة، وبالفعل كان توقعهم في محله في الكثير من الأحايين. ومن فاضل الكلام أني أتحدث هنا عمَّن ثبتت عليه الجريمة لا على الأشخاص التي تدور الشبهة على قضاياهم.

العفو عندما لا يُوضع في محله فهو ظلم كبير، كمن عفا عن الذئب عندما أكل خرافه ليعود الذئب مرة أخرى ويأكل خراف المتنازِل ومن جاوره أيضا.

ربما يتساءل البعض قائلا: عندما يتم العفو عن الجاني فإننا لم ننقذه فقط بل أنقذنا أسرته من البؤس والضياع زوجته وأولاده، أباه وأمه، أليس هذا عملا عظيما؟! نعم هذا عمل عظيم إذا أخذنا الموضوع منفصلا عن نطاقه العام، أما إذا لم نفصله فلن يكون عظيما بل ربما يكون إثما وذلك لأمر بسيط وهو أننا في الوقت الذي أنقذنا فيه أسرة واحدة من الضياع -هذا إذا سلمنا بضياعها- فإننا في الوقت نفسه نشارك في تضييع المجتمع بصورة عامة لأن التنازل الدائم أو الدعوة إليه - كما هو واقعنا- يؤسس لممارسة الفاحشة دون تعرض صاحبها للعقوبة المستَحقة؛ لذلك علينا الأخذ بأهون الضررين وهو الحفاظ على المجتمع مقابل الحفاظ على أسرة الجاني والتي يجب على المجتمع أن يحفظها لأنها بريئة من الجرم.

نعم، العفو يكون مطلوبا عندما تكون الجرائم استثنائية وقليلة لا تهدد حياة المجتمع، أما إذا كانت الجرائم تأخذ طابع الظاهرة كما نعيشه الآن فالدعوة يجب أن تكون لتطبيق «العدل» ووضع كل شيء في موضعه فـ«بالعدل قامت السموات والأرض» كما رُوي عن الرسول
وقد قال خالِق الإنسان والخبير بتقويم سلوكه ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾ [1] ، فقد أمر سبحانه بالعدل ووصف ذلك بنعم الموعظة، حتى إن الله عز وجل نهى حبيبه المصطفى مِن أن يقف موقف المدافع عن الخائنين والمجرمين إذ قال تعالى ﴿ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً ﴾ [2] أي لا تكن مخاصما ومدافعا عنهم.

وهنا أشير بأنه مع افتراضنا بأن الضحية أو أولياءه تنازلوا عن «حقهم الخاص»، فالواجب على الدولة أن لا تتنازل عن «الحق العام» وهو حق المجتمع فالشخص الذي يقتل نفسا واحدة فكأنما قتل الناس جميعا لأنه انتهك حق المجتمع بزعزعة أمنه واستقراره، سلطة القانون يجب أن تُنفذ بصورة عادلة دون إفراط ولا تفريط فـ«ما لا يُزع بالقرآن يُزع بالسلطان» أي من لم يمنعه القرآن والوازع الديني من ارتكاب الجريمة فإن قوة القانون هي الكفيلة بمنعه.

في كل ليلة عندما أغادر سيارتي لأدعها في الشارع لوحدها أنظر إليها نظرة مودِّع، فلا أدري هل سأجدها في الصباح في انتظاري أم إن زوار الليل سيستعيرونها مني بدون استئذان كما استعاروها من الكثير غيري وبدون رجعة في كثير من الأحيان، وهذا أفضل حالا بالطبع ممن وجد سيارته المسروقة وقد رُبطتْ بحبال متصل بأحد الصرافات ليتمَّ سحبه وسرقته فتكون المصيبة مصيبتين: أنه مسروق وفي الوقت نفسه سارق «بعيد الشر عنكم».

[1] سورة النساء: 58.
[2] سورة النساء: 105.

الكاتب \ السيد فاضل الشعلة

موضوع يستحق التقدير

ولابد من معاقبة الجاني أولآ ليكون عبرة لغيرهـ

ثانيآ ليرتدع مرهـ اخرى عن ارتكاب مثل هذه الاشياء

والعفو جميل لكن في الامور التي لاتؤدي بضياع المجتمع وضياع الجاني قبل كل شيئ

يسلموووو اناملكـ عــطــر ع طرحكـ الرائع والقـيــم

لاعدمنــاكِـ حبيبتي

ولا عدمناكـ حبيبتي شروق

تسلمين والله على المرور المتميز

يارب ماننحرم من هالطلة الحلوه

موضوع راااااااائع تسلم ايدك عطووووووووره على الطرح القيم

في إنتظااااااااار جديدك

تسلمين على مرورك الحلو ريووووم

لكـ أحلى تحية