مقدمة
إن
الحمد لله ، نحمده ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن
سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ... أما
بعد :
البيت نعمة
قال الله تعالى : " والله جعل لكم من بيوتكم سكناً " . سورة النحل الآية 80 .
قال
ابن كثير – رحمه الله - : " يذكر تبارك وتعالى تمام نعمه على عبيده ، بما
جعل لهم من البيوت التي هي سكن لهم يأوون إليها ويستترون وينتفعون بها
سائر وجوه الانتفاع " .
ماذا يمثل البيت لأحدنا ؟ أليس هو مكان أكله ونكاحه ونومه وراحته ؟ أليس هو مكان خلوته واجتماعه بأهله وأولاده ؟
أليس هو مكان ستر المرأة وصيانتها ؟! قال تعالى : " وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى " سورة الأحزاب الآية : 33
وإذا
تأملت أحوال الناس ممن لا بيوت لهم ممن يعيشون في الملاجئ ، أو على أرصفة
الشوارع ، واللاجئين المشردين في المخيمات المؤقتة ، عرفت نعمة البيت ،
وإذا سمعت مضطربا يقول ليس لي مستقر ، ولا مكان ثابت ، أنام أحيانا في بيت
فلان ، وأحيانا في المقهى ، أو الحديقة أو على شاطئ البحر ، ومستودع ثيابي
في سيارتي ؛ إذن لعرفت معنى التشتت الناجم عن حرمان نعمة البيت .
ولما انتقم الله من يهود بني النضير سلبهم هذه النعمة وشردهم من ديارهم فقال تعالى :
"
هو الذي أخرج الذين كفروا من ديارهم لأول الحشر " . ثم قال : " يخربون
بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار " . سورة الحشر ،
الآية : 2
والدافع عند المؤمن للاهتمام بإصلاح بيته عدة أمور :
أولا
: وقاية النفس والأهل نار جهنم ، والسلامة من عذاب الحريق : " يا أيها
الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة
غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون " سورة التحريم ،
الآية : 6
ثانيا : عظم المسئولية الملقاة على راعي البيت أمام الله يوم الحساب :
قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه ، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته " .
ثالثا : أنه المكان لحفظ النفس ، والسلامة من الشرور وكفها عن الناس ، وهو الملجأ الشرعي عند الفتنة :
قال صلى الله عليه وسلم : " طوبى لمن ملك لسانه ووسعه بيته وبكى على خطيئته " .
وقال
صلى الله عليه وسلم : " خمس من فعل واحد منهن كان على الله ، من عاد مريضا
، أو خرج غازيا ، أو دخل على إمامه يريد تعزيره وتوقيره ، أو قعد في بيته
فسلم الناس منه وسلم من الناس " .
وقال صلى الله عليه و سلم : " سلامة الرجل من الفتنة أن يلزم بيته " .
ويستطيع
المسلم أن يلمس فائدة هذا الأمر في حال الغربة عندما لا يستطيع لكثير من
المنكرات تغييرا ، فيكون لديه ملجأ إذا دخل فيه يحمي نفسه من العمل المحرم
والنظر المحرم ، ويحمي أهله من التبرج والسفور ، ويحمي أولاده من قرناء
السوء .
رابعا
: أن الناس يقضون أكثر أوقاتهم في الغالب داخل بيوتهم ، وخصوصا في الحر
الشديد والبرد الشديد والأمطار وأول النهار وآخره ، وعند الفراغ من العمل
والدراسة ، ولا بد من صرف الأوقات في الطاعات ، وإلا ستضيع في المحرمات .
خامسا
: وهو أهمها ، أن الاهتمام بالبيت هو الوسيلة الكبيرة لبناء المجتمع
المسلم ، فإن المجتمع يتكون من بيوت هي لبناته ، والبيوت أحياء ، والأحياء
مجتمع ، فلو صلحت اللبنة لكان مجتمعا قويا بأحكام الله ، صامدا في وجه
أعداء الله ، يشع الخير ولا ينفذ إليه شر .
فيخرج
من البيت المسلم إلى المجتمع أركان الإصلاح فيه ؛ من الداعية القدوة ،
وطالب العلم، والمجاهد الصادق ، والزوجة الصالحة ، والأم المربية ، وبقية
المصلحين .
فإذا كان الموضوع بهذه الأهمية ، وبيوتنا فيها منكرات كثيرة ، وتقصير كبير ، وإهمال وتفريط ؛ فهنا يأتي السؤال الكبير :
ما هي وسائل إصلاح البيوت ؟.
وإليك
أيها القارئ الكريم الجواب ، نصائح في هذا المجال عسى الله أن ينفع بها ،
وأن يوجه جهود أبناء الإسلام لبعث رسالة البيت المسلم من جديد .
وهذه النصائح تدور على أمرين : إما تحصيل مصالح ، وهو قيام بالمعروف ، أو درء مفاسد وهو إزالة للمنكر .
وهذا أوان الشروع في المقصود .
تكوين البيت
نصيحة "1" : حسن اختيار الزوجة
" وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم " سورة النور الآية 32
ينبغي على صاحب البيت انتقاء الزوجة الصالحة بالشروط التالية :
1. " تنكح المرأة لأربع : لمالها ، ولحسبها ، ولجملها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك " متفق عليه .
2. "الدنيا كلها متاع ، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة " رواه مسلم 1468
3. "
ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا ، ولسانا ذاكرا ، وزوجة مؤمنة تعينه على أمر
الآخرة " رواه أحمد " 5/282" والترمذي وابن ماجه عن ثوبان صحيح الجامع
5231
4. وفي رواية " وزوجة صالحة تعينك على أمر دنياك ودينك خير ما اكتنز الناس " رواه البيهقي صحيح الجامع 4285
5. " تزوجوا الودود الولود إني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة " رواه أحمد و هو صحيح الإرواء 6/ 195
"
عليكم بالأبكار فإنهن أنتق رحما ، وأعذب أفواها ، وأرضى باليسير " . وفي
رواية " وأقل خبا " أي : خداعا رواه ابن ماجة السلسلة الصحيحة 623
وكما
أن المرأة الصالحة واحدة من أربع من السعادة ، فالمرأة السوء واحدة من
أربع من الشقاء ، كما جاء في الحديث الصحيح و فيه قوله : " فمن السعادة :
المرأة الصالحة تراها فتعجبك ، وتغيب عنها فتأمنها على نفسها ومالك ، ومن
السقاء : المرأة التي تراها فتسوؤك ، وتحمل لسانها عليك ، وإن غبت عنها لم
تأمنها على نفسها و مالك " رواه ابن حبان وهو في السلسلة الصحيحة 282
وفي المقابل لابد من التبصر في حال الخاطب الذي يتقدم للمرأة المسلمة ، والموافقة عليه حسب الشروط التالية :
" إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض".
ولابد في كل ما سبق من حسن السؤال وتدقيق البحث وجمع المعلومات والتوثق من المصادر والأخبار حتى لا يفسد البيت أو ينهدم .
والرجل الصالح مع المرأة الصالحة يبنيان بيتا صالحا لأن البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه ، والذي خبث لا يخرج إلا نكدا .
نصيحة " 2 " السعي في إصلاح الزوجة
إذا
كانت الزوجة صالحة فبها ونعمت وهذا من فضل الله ، وإن لم تكن بذاك الصلاح
، فإن من واجبات رب البيت السعي في إصلاحها . وقد يحدث هذا في حالات منها
:
أن
يتزوج الرجل امرأة غير متدينة أصلا ؛ لكونه لم يكن مهتما بموضوع التدين هو
نفسه في مبدأ أمره ، أو أنه تزوجها على أمل أن يصلحها ، أو تحت ضغط
أقربائه مثلا ، فهنا لابد من التشمير في عملية الإصلاح .
ولابد
أن يعلم الرجل أولا أن الهداية من الله ، والله هو الذي يصلح ، ومن منه
على عبده زكريا قوله فيه : " وأصلحنا له زوجه " سورة الأنبياء ، الآية 90
سواء
كان إصلاحا بدنيا أو دينيا ، قال ابن عباس : كانت عاقرا لا تلد فولدت ،
وقال عطاء : كان في لسانها طول فأصلحها الله ولاستصلاح الزوجة وسائل منها
:
1. الاعتناء بتصحيح عبادتها لله بأنواعها على ما سيأتي تفصيله .
1. السعي لرفع إيمانها في مثل :
2. حضها على قيام الليل .
3. وتلاوة الكتاب العزيز .
4. وحفظ الأذكار والتذكير بأوقاتها ومناسباتها .
5. وحثها على الصدقة .
6. قراءة الكتب الإسلامية النافعة .
7. سماع الأشرطة الإسلامية المفيدة ؛ العلمية منها والإيمانية ومتابعة إمدادها بها .
8. اختيار صاحبات لها من أهل الدين تعقد معهن أواصر الاخوة ، وتتبادل معهن الأحاديث الطيبة والزيارات الهادفة .
9. درء الشر عنها وسد منافذه عليها ، بإبعادها عن قرينات السوء وأماكن السوء .
الإيمانيات في البيت
نصيحة " 3 " : اجعل البيت مكانا لذكر الله
قال صلى الله عليه وسلم : " مثل البيت الذي يذكر الله فيه ، والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت " .
فلابد
من جعل البيت مكانا للذكر بأنواعه ؛ سواء ذكر القلب ، وذكر اللسان ، أو
الصلوات وقراءة القرآن ، أو مذاكرة العلم الشرعي وقراءة كتبه المتنوعة .
وكم
من بيوت المسلمين اليوم هي ميتة بعدم ذكر الله فيها ، كما جاء في الحديث ،
بل ما هو حالها إذا كان ما يذكر فيها هو ألحان الشيطان من المزامير
والغناء ، والغيبة والبهتان والنميمة ؟! …
وكيف
حالها وهي مليئة بالمعاصي والمنكرات ، كالاختلاط المحرم والتبرج بين
الأقارب من غير المحارم ، أو الجيران الذين يدخلون البيت ؟!
كيف تدخل الملائكة بيتا هذا حاله ؟! فأحيوا بيوتكم رحمكم الله بأنواع الذكر .
نصيحة " 4 " : اجعلوا بيوتكم قبلة
والمقصود اتخاذ البيت مكانا للعبادة .
قال
الله – عز وجل - : " وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا
واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين " سورة يونس الآية 87
قال ابن عباس : أمروا أن يتخذوها مساجد .
قال
ابن كثير : " وكان هذا - والله أعلم – لما اشتد بهم البلاء من قبل فرعون
وقومه ، وضيقوا عليهم ، أمروا بكثرة الصلاة كما قال الله تعالى : " يا
أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة " سورة البقرة الآية 153 . وفي
الحديث : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى " .
وهذا
يبين أهمية العبادة في البيوت وخصوصا في أوقات الاستضعاف ، وكذلك ما يحصل
في بعض الأوضاع عندما لا يستطيع المسلمون إظهار صلاتهم أمام الكفار .
ونتذكر في هذا المقام أيضا محراب مريم وهو مكان عبادتها الذي قال الله فيه
: " كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا " سورة آل عمران الآية
37
وكان
الصحابة – رضي الله عنهم – يحرصون على الصلاة في البيوت – في غير الفريضة
– وهذه قصة معبرة في ذلك : عن محمود بن الربيع الأنصاري ، أن عتبان بن
مالك – وهو من أصحاب الرسول صلى الله عليه و سلم ، وهو ممن شهدوا بدرا من
الأنصار- أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله !
قد أنكرت بصري وأنا اصلي لقومي ، فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني
وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم ، وددت يا رسول الله أنك تأتيني
فتصلي في بيتي فأتخذه مصلى ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
سأفعل – إن شاء الله - " . قال عتبان : فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم
، وأبو بكر حين ارتفع النهار فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فأذنت له ، فلم يجلس حتى دخل البيت ، ثم قال : " أين تحب أن أصلي في بيتك
؟ " قال : فأشرت له إلى ناحية من البيت ، فقام رسول الله صلى الله عليه و
سلم فكبر ، فقمنا فصففنا فصلى ركعتين ثم سلم . رواه البخاري الفتح 1/519
نصيحة " 5 " : التربية الإيمانية لأهل البيت
عن
عائشة – رضي الله عنها - قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
يصلي من الليل فإذا أوتر قال قومي فأوتري يا عائشة " . رواه مسلم ، مسلم
بشرح النووي 6/23
وقال
صلى الله عليه وسلم : " رحم الله رجلا قام من الليل فصلى فأيقظ امرأته
فصلت ، فإن أبت نضح في وجهها الماء " . رواه أحمد وأبو داود ، صحيح الجامع
3488
وترغيب
النساء في البيت بالصدقة مما يزيد الإيمان ، وهو أمر عظيم حث عليه النبي
صلى الله عليه وسلم ، بقوله : " يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر
أهل النار " . رواه البخاري ، الفتح 1/405
ومن
الأفكار المبتكرة وضع صندوق للتبرعات في البيت للفقراء والمساكين ، فيكون
كل ما دخل فيه ملكا للمحتاجين ؛ لأنه وعاؤهم في بيت المسلم . وإذا رأى أهل
البيت قدوة بينهم يصوم أيام البيض ، والاثنين والخميس ، وتاسوعاء ،
وعاشوراء ، وعرفة ، وكثيرا من المحرم وشعبان ، فسيكون دافعا لهم على
الاقتداء به .
نصيحة " 6 " : الاهتمام بالأذكار الشرعية والسنن المتعلقة بالبيوت
ومن أمثلة ذلك :
أذكار دخول المنزل
روى
مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا دخل الرجل
بيته فذكر اسم الله تعالى حين يدخل وحين يطعم ، قال الشيطان : لا مبيت لكم
ولا عشاء هاهنا ، وإن دخل فلم يذكر اسم الله عند دخوله قال : أدركتم
المبيت ، وإن لم يذكر اسم الله عند مطعمه قال : أدركتم المبيت والعشاء " .
رواه الإمام احمد ، المسند 346:3 ، و مسلم 1599:3
أذكار الخروج من المنزل
روى
أبو داود في سننه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " إذا خرج
الرجل من بيته فقال : بسم الله ، توكلت على الله ، لا حول ولا قوة إلا
بالله ، فيقال له : حسبك قد هديت ، وكفيت ووقيت ، فيتنحى له الشيطان فيقول
له شيطان آخر : كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي ؟ " . رواه أبو داود
والترمذي ، وهو في صحيح الجامع رقم 499
السواك
روى
الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة – رضي الله عنها – قالت : " كان رسول الله
صلى الله عليه و سلم ، إذا دخل بيته بدأ بالسواك " رواه مسلم كتاب الطهارة
باب 15 رقم 44
نصيحة " 7 " : مواصلة قراءة سورة البقرة في البيت لطرد الشيطان منه
وفي هذا عدة أحاديث ومنها :
فال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تجعلوا بيوتكم قبورا ، إن الشيطان
ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة " رواه مسلم 1/539
وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقروا سورة البقرة في بيوتكم ، فإن
الشيطان لا يدخل بيتا يقرأ فيه سورة البقرة " . رواه الحاكم في المستدرك
1/561 و هو في صحيح الجامع 1170
وعن
فضل الآيتين الأخيرتين منها ، وأثر تلاوتهما في البيت قال عليه الصلاة
والسلام : " إن الله تعالى كتب كتابا قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي
عام ، وهو عند العرش ، وأنه أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة ، ولا
يقرأن في دار ثلاث ليال فيقربها الشيطان " رواه الإمام أحمد في المسند
4/274 و غيره و هو في صحيح الجامع 1799
العلم الشرعي في البيت
يتبع